ماذا تعرف عن عزة الميلاء؟
هي سيدة من غنى من النساء ،مع جمال بارع وخلق فاضل، تأمر بالخير وهي من أهله، وتنهى عن السوء وهي مجانبة له.
وعزة هي أقدم من غنى الغناء الموقع من نساء الحجاز. وكانت موصوفة بجمال وجهها وقدها، ولقبت بالميلاء لتمايلها في مشيتها. وكانت عزة من جواري الأنصار، وكانت دارها مجمعاً لأهل الأدب والظرف في زمانها، وفيها يعقدون مجالس أنس وطرب وحلقات أدب.
ويروى أن عمر بن أبي ربيعة زارها يوماً بصحبة عبدالله بن جعفر وابن عتيق، فغنتهم صوتاً من شعر عمر، ولما فرغت قال عمر: لقد سمعت والله ما يذهب العقل.
وكان الشاعر حسان بن ثابت معجباً بشعر عزة، ويضعها في طليعة القيان في المدينة وطالما غنت عزة من شعر حسان.
وكثيرة هي النوادر عن تأثر حسان بصوت عزة، من ذلك أن شاعر النبي (صلعم) حضر يوماً وليمة أقامها زيد بن ثابت الأنصاري ختان بنيه، وكان حسان قد اكتهل وبدأ بصره يخف .. فلما فرغ القوم من الطعام أقبلت عزة الميلاء فوضعت المزهر في حجرها وضربت به وتغنت بشعر حسان:
فلا زال قبر بين بصري وجلق ... عليه من الوسمي جود ووابل
فهاج حسان وجرت دموعه. ويروى أن المغني معبد أتى عزة الميلاء يوماً، وقد تقدمت بها السن، فغنت له قصيدة مطلعها:
عللاني عللا صاحبيا ... واسقياني من المروق ريا
فقال معبد معجباً: هذا غناؤها وقد أسنت، فكيف بها وهي شابة؟!. وكان ابن أبي عتيق، وهو أحد وجهاء المدينة، معجباً بعزة وفنها وجاءه يوماً صديقه عبدالله بن جعفر، فألح عليه بأن يرافقه إلى دار عزة، فاعتذر، فما زال به ابن أبي عتيق حتى أقنعه بالذهاب .. وهبطا الدار فإذا برسول الأمير واقف على بابها يردد: دعي الغناء، فقد ضج أهل المدينة منك وفتنت الرجال والنساء. فما كان من ابن جعفر إلا أن قال له: عد إلى صاحبك وقل له عني: أقسم عليك ألا ناديت في المدينة أيما رجل فسد أو امرأة فتنت بسبب عزة الميلاء إلا كشف نفسه لنعرفه. ونادى الرسول بذلك، فلم يظهر أحد. ودخل ابن أبي عتيق وابن جعفر على عزة وطلبا إليها أن تغني، غير عابئة بما سمعت من رسول الأمير. فأنشدت:
أنا محيوك فأسلم أيها الطل ... وإن بليت وإن طالت بك الطيل
وامضيا نهارهما عندها على أحسن حال … وكان يتردد على عبدالله بن جعفر ناسك من أهل العلم في المدينة، هام بجارية سمعها تغني: "بانت سعاد وأمس حبلها انقطعا"، فترك نسكه فلامه في ذلك بعضهم، فقال:
يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا
وعرف عبدالله بن جعفر بالخبر، فاستدعى النخاس صاحب الجارية، وطلب منه أن تسمعه الجارية غناءها في ذلك الصوت. فلما سألها ممن أخذته، فأجابت إنه من عزة الميلاء، فبتاعها بأربعين ألف درهم. ودعا الناسك وسأله إذا كان يحب سماع ذلك الصوت، فوافق على ذلك. وجاءت عزة فغنته، فصعق الناسك وكاد يغمى عليه من الفرح، ثم قال: قد رأيت ما نالني حين سمعت من غيرها، وأنا لا أحبها، فكيف يكون حالي إن سمعته منها وأنا لا أقدر على ملكها؟ فدعا ابن جعفر بها فأخرجت إليه، فوهباها للناسك، فشكره الناسك ودعا له مخلصاً. والقصيدة المذكورة للأعشى، ومطلعها:
بانت سعاد وأمس حبلها انقطعا ... واحتلت الغور فالجدين فالفرعا
وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشب والصلعا
ومهما كان من أمر المبالغة في هذه القصة فإنها تشير إلى اهتمام الناس بالغناء وتأثرهم به من ناخية، وإلى الشهرة التي كانت تتمتع بها عزة الميلاء من ناحية ثانية.